المرء بين مبدأ الحاجة وحُمّى الإعلان والدعاية
عندما يحتاج المرء إلى شيء معيّن فإنه يحاول تهيئة الإمكانات – وفي مقدمتها الإمكانات المالية – لاقتناء ذلك الشيء. والحاجة هنا أمر ينبغي التوقف عنده، لتشخيص هل أنها حاجة فعلية أكيدة ينبغي تحصيلها أم أنها حاجة وهمية صنعتها تقديراتنا الخاطئة، أو أملتها ثقافة السوق وحمّى الدعاية والإعلان التي تعمل فينا ليلاً نهاراً من أجل جعلنا نتسوق ونتسوق ونتسوق. إننا أحيانا قد ندهش حينما نزورمركزاً للتسوق (السوبر ماركت مثلا)، وبنية إلقاء النظرة والتفرج، أو لشراء شيء محدد، أننا خرجنا من المحل وقد أنفقنا عشرات الدنانير! ربما كان السبب في ذلك أن السوق بثقافته الساخنة أدخل إلى أدمغتنا وإلى لاشعوراتنا أن نشتري ونشتري لكي تدور عجلة أصحاب السوق والبضائع (التجار) بأسرع ما يمكن، أو أن وجود تشويق شرائي تشجيعي – في السعر – جعلنا نشتري بعض الأشياء وإن كنا لسنا بحاجة ماسة إليه أو أن حاجتنا إليه ليست ملحّة.
ويبدو أن هذا هو أحد الأسباب التي تجعلنا نشتري لمجرد الشراء.. لمجرد أن ننفق المبلغ المالي الذي في جيوبنا، ونراكم كثيرا من الأشياء والمقتنيات في بيوتنا دونما حاجة يمكن أن نطلق عليها حاجة، ولكننا نوهم أنفسنا بأنها حاجة أكيدة. على سبيل المثال، إن طفلنا يمكن أن يكتفي بثلاث أو أربع لعب – مثلا – ولكنا نشتري له عشرين لعبة، وبالنتيجة يزدحم المنزل بالألعاب، وتزداد القطع المرمية والمبعثرة هنا وهناك فيه، الأمر الذي يبعث على التشتت في أذهاننا، ويجعلنا نبذل جهودا مضاعفة في مجال التنظيف وإعادة المنزل إلى الحالة المرتبة الرائقة، في الوقت الذي يؤكد الخبراء أن البساطة في الحياة تساعد على صفاء الذهن وإبعاده عن التشتت.
ربما يقول القائل : أن كثرة الألعاب للطفل تتيح له خيارات عديدة من أجل ترفيه أفضل. ومع أخذ حد المعقولية بعين الاعتبار، إلا أننا ينبغي أن نعلم بأن الإفراط في اقتناء الكماليات والخضوع لثقافة الاستهلاك – وبتشويق من عامل الدعاية والإعلان – لا ينبغي أن يأخذ مأخذه منا.
إننا بدلا من ذلك ينبغي أن نقدّر حاجاتنا تقديرا سليما، ونصوغ تبضعنا ومشترياتنا بناء على تلك الحاجة. ولا يمكن لنا ذلك إلا بترك الارتجال والانفعالية الشرائية والجري وراء السوق لمجرد الشراء، وبالتعامل مع عامل الدعاية والإعلان بروح واعية ومقدِّرة بعيدة الخضوع والاستسلام لثقافة الاستهلاك.
بقلم: السيد رضا علوي السيد أحمد