نحو أسرةٍ مقتصدةٍ مقدّرة
كلنا سمع عن تلك الكلمة الشهيرة القائلة : “الاقتصاد نصف المعيشة”. أجل، فالاقتصاد ركن ودعامة للأسرة والمجتمع، بدونها لا تنتظم أمورهما، بل لا تقوم لهما قائمة.
ونتساءل : لم كان الاقتصاد نصف المعيشة؟ وتكون الإجابة على ذلك كالتالي : للاقتصاد – من عدة جوانب – جانبان أساسيان، أولهما الإمكانات الاقتصادية، من مال، ومواد مختلفة، مثل الغذاء، واللباس، والمسكن، والآخر : التعامل مع تلك الإمكانات بالشكل الذي يحفظ للأسرة توازنها الاقتصادي والاجتماعي، وهو موضوع هذه المقالة. والاقتصاد يقوم بسياسة الإنفاق وترشيده بالهيئة أو الكيفية التي تضغط المصرف والاستهلاك، وهو الأمر الذي يقلل من التكاليف، وبذلك يكون أكبر معين على المعيشة، ومن هنا دُعي نصفها.
وأساس الاقتصاد هو التوسط والاعتدال، ومجانبة الإفراط الذي هو الإسراف (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا)). ومن هنا لابد لنا في التعامل مع إمكانياتنا الاقتصادية المتاحة في الأسرة، أن نعي أمور، منها : أن إنفاقاتنا من المال والمواد والإمكانات الأخرى على اختلافها، ينبغي أن تُبنَى على مبدأ التقدير، والتقدير يأتي عن طريق تشخيص الحاجة، وتحديدها بشكل سليم. أن نحدد حاجتنا جيدا، وعلى ضوء تلك الحاجة ننفق (أو نستهلك)، لكي نلبي ما وراء تلك الحاجة، ولنتلافى ما يمكن أن نسميه بالعوز، أو الافتقار، أو العجز الاقتصادي، أو الأزمة المالية.
ولكي نقتصد لابد أن نميز بين أمور، وأن لا نخلط بينها في حياتنا الاقتصادية الأسرية بصورة خاصة، وفي تلك المجتمعية بصورة عامة. أن نميز بين التقدير والتقتير (البخل)، وبين الكرم والإسراف. فالتقدير بناء على مبدأ الحاجة ليس تقتيرا أو بخلا، كما أن ثمة فرقا كبيرا بين الكرم والإسراف. الكرم أن تعطي لعائلتك ما تحتاجه بشكل متوسط يجعلها في حالة يسر، بينما الإسراف أن تنفق وتعطي بلا ميزان، وبلا حساب، وبلا تقدير سليم للحاجة نفسها. مثال بسيط على ذلك : عائلتك تحتاج في الأسبوع إلى 4 كيلوغرامات من الطماطم، كحد متوسط (مثلا)، فما الداعي إلى أن تشتري صندوقا كاملا، تستهلك جزءً منه، ويعطب الباقي فترسله إلى المزبلة؟!. مثال آخر : إبنك يحتاج إلى ستة قمصان، وستة سراويل “بنطلونات”، ما الداعي لأن تشتري له عشرين قميصا، وعشرين سروالا؟! وقس على هذين المثالين الإنفاقات الشخصية والعائلية التي لا غنى لها عن القصد والتوسط في الإنفاق والقناعة.
بناء على ذلك، ومن أجل أن نبني أفرادا مقتصدين، وأسرا مقتصدة، ينبغي أن نتعلم تشخيص الحاجات، وفن التقدير، وترشيد الاستهلاك، سواء فيما يتعلق بالممتلكات الخاصة، أو الممتلكات العامة. على سبيل المثال : الماء والكهرباء، ينبغي لكل أسرة أن تعلم أفرادها الطريقة السليمة للاستفادة من هاتين الطاقتين الضروريتين، وعدم تضييعهما هباء. ولا فلرق في التعامل مع الممتلكات، سواء كانت الممتلكات من تحصيل أيدينا، أو كانت مساعدات من جهات خيرية، كما هو حال العوائل التي تستلم مثل تلك المساعدات، إذ على تلك العوائل أن تقتصد في الإمكانات المقدمة إليها، لأن في الاقتصاد عونا على المعيشة، وتقديرا للجهة المقدِّمة لتلك الإمكانات، وشكرا لله عز وجل وهو القائل ((لئن شكرتم لأزيدنكم))، هذا الشكر الذي هو ضمان لبقاء النعم ودوامها، فبالشكر تدوم النعم.
إن إيجاد الوعي الاقتصادي وإشاعته في الأسرة هو من الأمور الضرورية لكل أسرة، وهنا ينبغي للوالدين أن يتحملا مسؤولية ذلك. فأطفالنا ينبغي أن نربيهم اقتصاديا على التوسط في الإنفاق والاستهلاك منذ نعومة أظفارهم، كيما يصبحوا أفرادا مقتصدين حينما يكبرون. وفي حال كون الوالدين غير قادرين على بث هذا الوعي، ينبغي للشباب – أبناء وبنات – أن يتحملوا تلك المسؤولية في أسرهم. يضاف إلى هذا التوجيه المدرسي للاقتصاد، إذ يلزم أن يكون ذلك التوجيه تربويا، إضافة إلى كونه تعليميا.. وليكن شعار الجميع دائما : “نحو أسرة مقتصدة مقدِّرة”، ف((ما عال من اقتصد)).
بقلم: السيد رضا علوي السيد أحمد
25/5/1998م