بعد الدلال يكون الشقاء
لا جدال في أن التربية المتوازنة للطفل تؤهله لكي يكون قادرا على تحمل الأدوار والمسوليات حينما يكبر ويبلغ سن الشباب ثم الرجولة. والتوازن في التربية يتوجه إلى سياسة الطفل بناء على الحب والرفق واللطف والتسامح من جانب، وسياسته بناء على استهداف صنع الشخصية القوية المهيأة لتحمل الأدوار والتعامل مع ظروف الحياة وتغيراتها مستقبلا، من جانب آخر. ومن هنا فلا العنف هو الوسيلة السليمة في التربية، ولا اللين المفرط إلى درجة التدليل والتمييع هي المطلوبة كذلك.
إن العنف -كما هو معلوم، وخصوصا العنف المفرط- يؤرث في الطفل آثارا جسمية وعاهات، يضاف إليه الآثار النفسية التي قد تترتب على العنف، من مثل الشعور بالحقارة، والانطواء على الذات، وبغض الوالدين وعقوقهما، والتمرد، والانحراف السلوكي.
وفيما يتصل بالعنف مع الطفل ينبغي الإشارة إلى أنه في حالت يجد الوالد -أبا أو أما- نفسه في حاجة إلى ردع الطفل وتأديبه أو زجره عن فعل قبيح أو مخل بالأدب باستعمال الضرب، وهذا لا بأس به إذا كان في حدود المعقول، وهو الحد الذي لا يسبب للطفل جروحا أو آثارا شديدة في جسمه أو عاهات، مع العلم بأن الجلوس مع الطفل وإرشاده بصورة هادئة ورزينة قد تغني الوالد (الأب والأم) عن اللجوء إلى الضرب والتوسل بالعنف، وخصوصا إذا كان الطفل من النوع الذي يستمع إلى الكلام، أو من النوع غير المعروف بالعناد والمشاكسة.
وهنا نقطة هامة جدا ويجدر التنويه إليها، وهي أن الكثير من الآباء والأمهات الذين يلجأون إلى الشدة أو العنف مع أولادهم تجدهم من النوع الذي يوجه أولاده في حين حدوث الأزمة، أي حين صدور الأخطاء منهم فقط، ويكون الضرب والإيذاء وقتها مصحوبا بالتوجيه ومحاولة التقويم. بينما الأفضل أن يوجه الأب أو الأم طفلهما في الظروف العادية، وقبل وقوعهم في الأخطاء وفي السلوك المخلة بالأدب والأستقامة. وبعبارة أخرى أن يكون دور التربية فعلا لا محصورا أو مقصورا على ردود الأفعال في الظروف التي تصدر منهم الأخطاء والأفعال غير السليمة. وبعبارة أخرى إن التربية يجب أن تكون فعلا في المقام الأول، وليست مقتصرة على ردود الأفعال. وهذا لا يعني الإلغاء المطلق لردود الأفعال في التربية، حيث أن بعض المواقف التي يخطئ فيها الطفل ويتصرف فيها بشكل مخل بالآداب، وخصوصا تلك التي لم يسبق له أن وقع فيها أو وجّه من قبل، لابد من رد الفعل التربوي الذي يصحح سلوك الطفل ويرجعه بذلك إلى الحالة السوية.
ومن العنف إلى التدليل، فكما أن للعنف آثاره السلبية على جسم ونفس الطفل، كذلك للتدليل آثاره السلبية التي لا تقل خطورة عن آثار العنف. إن التدليل هو عملية تخريب لشخصية الطفل من نوع آخر: تخريب يحسبه الوالدان المدلِّلان لطفلهما إحسانا أو حسن تربية له، إذ التدليل يجعل من الطفل إنسانا لينا هشًّا، وغير قادر على تحمل الأدوار والمسؤوليات حينما يكبر مستقبلا. إن قسما من الآباء يتصورون بأن تدليلهم لأطفالهم هو نعمة مزجاة منهم إليهم، ويغفلون عن أنهم بذلك يجنون على أولادهم أيما جناية، ويوجهون لطمة قوية لشخصياتهم، بجعلهم فارغين من الاستعدادات التي تهيئهم لتحمل الأدوار والمسؤوليلا مستقبلا. وبعبار أخرى: أن الآباء الذين يدللون أبناءهم بصورة مفرطة يتصورون أنهم بذلك يمنحونهم السعادة، بينما هم في حقيقة الأمر لا يمنحونهم سوى الشقاء حينما يكبرون: حين تحين ساعة الدور والمسؤولية والتعامل مع ظروف الحياة وتقلباتها ومتغيراتها. إن ظروف الحياة -كما هو معلوم- من سماتها التغير، فهي لا تسير على وتيرة واحدة، ولذا فشخصية مدللة لينة لا تتحمل أي ضغط أو صعوبة لا يمكن لها أن تصمد بوجه تلك الظروف والمتغيرات. وهنا يصدق المثل السائر القائل: “بعد الدلال يكون الشقاء”.
بقلم: السيد رضا علوي السيد أحمد