مجتمعنا القروي والحاجة إلى مؤسسة ثقافية اجتماعية
كما هو معلوم، ليست الثقافة مجرد معلومات تُقرأ أو تحفظ أو تخزن، ولكنها بالإضافة إلى ذلك سلوك وسيرة عملية، ومن هنا تبرز الحاجة الأكيدة إلى الثقافة، والثقافة الصحيحة القويمة تحديدا، لكي تنتظم حياة الإنسان وتسعد. وفي أي مجتمع، كلما ازدهرت الثقافة وأصبح أهل ذلك المجتمع مهتمين بها، كلما ازدهرت حركة المجتمع في مختلف النواحي والاتجاهات، وكلما كان هناك العزوف عن الثقافة والركون إلى الجهل والأمية، كلما كان التخلف والتقهقر هو السائد وفي مختلف النواحي والاتجاهات.
وبلا جدال، كان للمأتم –وما يزال- دور مشهود في الالتزام بالعقيدة والحفاظ على الهوية الثقافية والقيم الأخلاقية من خلال مجالس الوعظ والخطابة المحتفية برسولنا الكريم (ص) وأئمتنا العظام (عليهم السلام) وإحياء مناسباتهم، ومن خلال المحاضرات والموالد والاحتفالات، وخصوصا حينما يستثمر المأتم في أنشطة وفعاليات أوسع من مجالس الوعظ والخطابة. وفي مجتمع قريتنا بصورة خاصة، كان للمأتم –وما يزال- دوره في هذا السبيل. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ما هو موجود ومقدم في المأتم يكفي للحفاظ على الهوية الثقافية واستيعاب الأجيال الجديدة والشباب وحمايتها من الانحراف والضياع؟
بنظرة متأملة ومنصفة، يجد المرء أن هناك حاجة إلى مؤسسة ثقافية اجتماعية تقوم بدور تكميلي لدور المأتم، وتمارس أنشطة وفعاليات متنوعة ربما لا يسمح المأتم –لاعتبارات معينة- القيام بها، لتساهم في الاهتمام بالنشء والأجيال الجديدة والشباب، وتحتضنهم وتعلمهم مبادئ الثقافة الإسلامية، وتضعهم في أجوائها بشكل مستمر.
تأصيل الثقافة الإسلامية في الأجيال الجديدة والشباب ضرورة في مجتمعنا، ويزيد من حجم المسؤولية على عاتقنا أننا نعيش في عصر ثورة المعلومات والاتصالات، هذه الثورة ومن خلال العولمة اللاأخلاقية تريد أن تصيغنا وتصيغ أجيالنا الجديدة بطريقتها هي، وتريدنا أن نكون مجرد مستهلكين لأنماطها الثقافية ومرددين لها. وإذا لم ننتبه لهذا الأمر ونأخذه على محمل الاعتبار والجدية، سنجد في ما بعد أننا خسرنا تلك الأجيال، وآنئذ قد نعض على أصابعنا ونندم على ذلك، ولكن ولات حين ندم.
شبابنا إذا لم يحظ بالتوجيه والإرشاد من خلال مؤسسة ثقافة اجتماعية موجهة، لا غرابة أن نجدهم يتجهون اتجاهات تخالف ثقافتنا الإسلامية. وجميعنا يعلم أن وسائل الجذب والاستقطاب لا تنحصر في مجالس الوعظ والخطابة، مع العلم بأن هذه المجالس مفيدة ونافعة بلا جدال. قد أنجذب أنا إلى مجلس الخطابة، وقد يكون غيري لا ينجذب إليه، وهنا يمكن أن أزوده بالثقافة الإسلامية عن طريق وسيلة أخرى. ولسنا هنا في معرض تفصيل تلك الوسائل، لكنها تتنوع وتتعدد بكل تأكيد. والمطلوب أن نسعى بجد من أجل الوصول إلى تلك المؤسسة الثقافية الاجتماعية التي تساهم –بصورة أوسع وأكثر انفتاحا- في خدمة وتنمية مجتمعنا المحلي وفي الاهتمام بالأجيال الجديدة والشباب.
بقلم: السيد رضا علوي السيد أحمد
محرم 1426