في ذكرى نهضة الإمام الحسين (ع) تساؤلات واقعية تنتظر من يتفهمها
من سمات الجماعة الناضجة والمجتمع الراشد والأمة المتنورة أنها تقرأ تجاربها، وتقوّم مسيرتها، وتنظر في ماضيها وحاضرها بعين الإصلاح، وهو المبدأ العظيم الذي استشهد من أجله الإمام الحسين (ع) وأنصاره البررة (رضوان الله عليهم). أما الجماعة غير الناضجة، والمجتمع غير الراشد والأمة غير المتنورة فإنها تنقاد في عامل الزمن في ما يشبه التسليم والرضا المطلقين، من دون أن تمارس فعلا تقويميا إصلاحيا يعود عليها بالنفع، وينقلها من حال إلى حال أفضل. وربما أضفت على بعض الأشكال والوسائل والممارسات صفة القداسة بصورة لا يرقى إليها التحسين والتطوير والإصلاح.
ضمن هذه السياق، وبالتحديد في ما يتصل بإحياء ذكرى محرم الحرام، ثمة أسئلة كثيرة لا يتسع المجال للتطرق إليها جميعها، وهي بكل تأكيد تتوخى الإخلاص، والحرص على مصلحة المجتمع، وهي بالتالي ليست موجهة للانتقاص من أحد من الناس أو الإساءة إليه، بل هي تتوجه إلى ظواهر عامة وتنتظر منا أن نقف مع أنفسنا، ونعمل عقولنا بصورة غير عاطفية، لكي نصل إلى ما يخدم مجتمعنا وينفعه بصورة أفضل. ومن تلك الأسئلة:
هل ما نقوم به من طرق وأساليب وممارسات في إحياء هذه الذكرى بصورة عامة يسير في الوجهة الصحيحة بحيث تقدم لمجتمعنا تنمية أفضل؟ وهل الأموال الكثيرة التي ننفقها في هذا السبيل تمثل وضعا للشيء في موضعه؟ أم بالإمكان توجيهها في ما يمكن أن يقدم تنمية اجتماعية أفضل لمجتمعاتنا؟
وعن وجبات الضيافة والإطعام، هل هناك حاجة ملحّة إلى أن ننفق أموالا كثيرة (آلاف الدنانير) في هذه الوجبات؟ وأليس من الأولى أن نخفف من تلك الوجبات وتكاليفها لكي ندخر جزءا من تلك الأموال لتوجيهها من أجل تنمية ثقافية واجتماعية أفضل لمجتمعاتنا؟ ولماذا الكثير منا على استعداد إلى أن يساهم في الأموال من أجل الطعام، بينما لا يوجد لديه مثل ذلك الاستعداد من أجل تنمية ثقافية واجتماعية لمجتمعه؟ ولماذا مازلنا نمارس الإسراف في الطعام ونرمي كميات كبيرة في أكياس القمامة –وإلى متى؟- بينما هناك الملايين في هذه العالم من يموتون من الجوع؟ هل أن ذلك كرم وسماحة فينا؟! ألسنا مسؤولين أمام الله عن هذه النعم والخيرات؟
وفي ما يتصل بالمآتم، لماذا يصر قسم منا على أن يكون لكل مأتم مجلسي خطابة في اليوم دون مجلس واحد؟ وهل العبرة في الإحياء بكثرة مجالس الخطابة أم بما لها من فائدة وآثار اجتماعية؟ وأليس من الأولى توجيه الأموال التي تخصص للمجالس الإضافية في صور أخرى للتنمية الثقافية والاجتماعية؟ ولماذا تكرار مجالس التأبين بعد عشرة محرم؟ أليس من الأولى توجيه الأموال التي تخصص في هذا السبيل في صور أخرى من الخدمات الاجتماعية؟ لماذا ما زلنا نصر على أن أموال المآتم هي فقط لأجور الخطابة وما يتصل بها مباشرة من أمور؟ أليس الإمام الحسين (ع) يطالبنا بإصلاح المجتمع في مختلف شؤونه؟ وهل مجالس الخطابة مسؤولية اجتماعية أم هي موسم خصب لتحصيل الأجور والأموال في مدة قياسية؟ ولماذا – وإلى متى- يتقاضى الخطباء في أيام معدودة ما لا يتقاضاه عامل أو موظف محدود الدخل في عدة أشهر؟ وهل يعد هذا من العدالة الاجتماعية؟وماذا لو طُرحت صنعة الخطابة على أنها عمل تطوعي مع إعطاء أجر رمزي للخطيب مقابل أتعابه، تُرى كم من الخطباء سيكون مستعدا لمزاولة صنعة الخطابة والمساهمة في هذه الخدمة الاجتماعية؟ وهل من الصحيح قصر وظيفة المآتم على مجالس الخطابة والفاتحة ومناسبات الزواج وبعض الاحتفالات؟ لماذا لا يستفاد من المآتم في تعليم وتثقيف وتنوير الأجيال الجديدة؟ لماذا لا نحاول إظهار المأتم بما يشبه المركز الثقافي والاجتماعي في ظل انعدام المراكز الثقافية والاجتماعية في مجتمعاتنا القروية؟
والمواكب العزائية، هل المهم والعبرة فيها كثرتها وطول وقتها؟ وإلى أي مدى هي تقترب من التركيز على المضمون والجوهر في بناء الفرد والمجتمع وإصلاحهما دون الوقوع في الشكليات والمظاهر؟
وعن مجالس التأبين النسائية، هل تعد كثرتها ظاهرة صحية في مجتمعاتنا؟ ومع تقدير الفائدة الاجتماعية والثقافية فيها، إلى أي مدى هي تساهم في التنمية الثقافية لمجتمعاتنا؟ وما دور الجيل الشاب من النساء في إحداث الإصلاح والتجديد في مثل هذه المجالس؟
تلك كانت مجموعة أسئلة واقعية تنتظر من يتفهمها وينظر فيها ويناقشها على طريق إحياء ومصلحة اجتماعية أفضل.
بقلم: السيد رضا علوي السيد أحمد
محرم 1427